بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين حمدا يليق بجلال وجهه وعظيم سلطانه
و الحمد لله حمدا كثير أن يسر لنا سبل تحصيل العلم النافع
والصلاة والسلام على سيد الخلق و نبي الحق سيدنا محمد صلاة وسلاما دائمين متلازمين إلي يوم الدين.
يشرفني و يسعدني أن اقوم بتفريغ الأربع محاضرات الأولى من دورة أصول ورش عن نافع من طريق الازرق لشيختنا الفاضلة أم عماد جزاها الله عنا كل خير
المقدمة:
التعريف بالقراءات القرآنية:
لغة :جمع قراءة: يعني وجه مقروء به، و القراءات مصدر قرأ.
إصطلاحا: علم يعرف به كيفية نطق الكلمات القرآنية و اختلافها، و الاختلاف الذي يقع فيها معزوا لناقله أو قارئه.
موضوع علم القراءات: هو البحث في أحوال الكلمات القرآنية وكيفية أدائها من مد او قصر او تحقيق او ابدال او تسهيل
مصدر العلم : وقد استمد هذا العلم من السنة و الاجماع
السنة: لأن القرآن نزل عن النبي صلى الله عليه و سلم و الاحرف السبع نزلت عليه كذلك، فنأخذها سنة
الاجماع: ما أجمع عليه الصحابة العلماء كلهم و السلف الصالح،لأنه توجد قراءات شادة
. فوائد العلم: له فوائد كثيرة منها:
- صيانة كلمات القرآن عن التحريف والتغيير و العصمة من الخطأ في النطق بها.
- استنباط الأحكام الفقهية نتيجة لاختلاف القراءات.
- التسهيل والتخفيف على الأمة لان كل قبيلة كانت لها لهجة معينة، فكان من الصعب على الانسان بعدما شب على لهجة معينة أن يغيرها.
الغاية من هذا العلم: معرفة وجه من وجوه القراءات السبع التي يقرأ به كل واحد من الأئمة و القراء، و كذلك معرفة الراوي من الامام.
فضل هذا العلم: من أشرف العلوم الشرعية على الاطلاق لتعلقه المباشر بكلام رب العالمين..
واضعه: أئمة القراء الذين جمعوا لنا الاوجه السبعة في كتاب. و قد قيل ان اول من جمع هذا العلم : ابو عمر حفص ابن سليمان الدوري احد رواة أبي عمرو البصري، و قيل أبو عبيد القاسم ابن سلام.
الفرق بين القرآن والقراءات
قال الإمام الزركشي صاحب البرهان:- "إن القرآن والقراءات حقيقتان متغايرتان. فالقرآن: هو الوحي المنزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم للبيان والإعجاز، والقراءات: هي اختلاف ألفاظ الوحي المذكور في الحروف وكيفيتها، ومن تخفيف وتشديد وغيرهما، ولابد فيها من التلقي والمشافهة؛ لأن في القراءات أشياء لا تُحكم إلا بالسماع والمشافهة".
ولقد وافقه على هذا الرأي كثير من العلماء كالسيوطي والقسطلاني والبنا و الدمياطي.
نزول القرآن على سبعة أحرف:
كيف نزل القرآن على سبعة أحرف؟ و ما هي هذه الاحرف؟
لا شك أن موضوع القراءات القرآنية موضوع هام لتعلقه باقدس شيء في الوجود و هو كتاب الله تعالى.
و من المعلوم أن خصوم الاسلام و أعدائه طعنوا في القراءات القرآنية و الصقوا بها بعض الشبهات، و ادعوا انها اجتهاد محض من البشر. و لكن الحقيقة التي لا يكابر بها مسلم يومن بالله و اليوم الآخر أن القراءات القرآنية وحي من السماء، و الخلاف فيها مبني على نطق الوحي لما نزل على رسول الله صلى الله عليه و سلم بالفاظ متعددة.
فالقراءات القرآنية مرتبطة ارتباطا وثيقا بالاحرف السبعة التي نزل بها القرآن و نص عليها حديث الرسول عليه الصلاة و السلام " إِنّ هَذَا الْقُرْآنَ أُنْزِلَ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ، فَاقْرَأُوا مَا تَيَسّرَ مِنْهُ". متفق عليه
ما هي الاحرف السبعة:
هي جملة مركبة من لفظين: الاحرف و السبعة:
معنى الاحرف: حمع حرف و هي التي نزل بها القرآن
و الحرف في اللغة هو الجانب من الشيء او حافته
و يطلق على حروف الهجاء.
و يطلق على الطرف،
و يطلق على اللغة،
و يطلق على الوجه: قال تعالى : ( ومن الناس من يعبد الله على حرف فإن أصابه خير اطمأن به وإن أصابته فتنة انقلب على وجهه خسر الدنيا والآخرة ذلك هو الخسران المبين ) سورة الحج /11 .
و اصطلاحا: اختلف العلماء في المراد بالأحرف السبعة اختلافا كثيرا وذهبوا فيه مذاهب شتى، فمنهم من قال ان المراد بها لغات العرب السبعة انذاك ( قريش، هديل، ثقيف،هوازين، تميم، كنانة، اليمن). و منهم من قال انها معاني الاحكام: ( الحلال، الحرام، المحكم، المتشابه، الامثال، الانشاء، الاخبار).
و الرأي الارجح الذي وصل إليه المحققون هو مذهب الإمام أبي الفضل الرازي، حيث قال فيه " أن المراد بهذه الأحرف الأوجه التي يقع بها التغاير والاختلاف في القرءات القرآنية، وهذه الأوجه لا تخرج عن سبعة أوجه وهذا بيانها:
الوجه الأول: اختلاف الأسماء في الإفراد والتثنية والجمع والتأنيث و التذكير:
الوجه الثاني: اختلاف تصريف الأفعال من ماض ومضارع وأمر
الوجه الثالث: اختلاف وجوه الإعراب
الوجه الرابع: الاختلاف بالنقص والزيادة
الوجه الخامس: الاختلاف بالتقديم والتأخير
الوجه السادس: الاختلاف بالإبدال
الوجه السابع: الاختلاف في اللهجات
و لا تخلو هذه الاختلافات من كونها اختلافات تنوع و ليس اختلاف تضاد.
الوجه الأول: اختلاف الأسماء في الإفراد والتثنية والجمع:
ومن أمثلة ذلك:
- قوله تعالى: وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعامُ مِسْكِينٍ [البقرة: 184] قرئ "مسكين" بالإفراد وقرئ "مساكين" بالجمع
- قوله تعالى: فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ [الحجرات: 10] قرئ "أخويكم" بالتثنية، وقرئ "إخوتكم" بالجمع.
ويدخل في هذا الاختلاف: اختلاف الأسماء في التذكير والتأنيث.
ومن الأمثلة:
- وَلا يُقْبَلُ مِنْها شَفاعَةٌ [البقرة: 48] قرئ "يقبل" بالتذكير، وقرئ "تقبل" بالتأنيث.
الوجه الثاني: اختلاف تصريف الأفعال من ماض ومضارع وأمر:
ومن أمثلة ذلك:
- قوله تعالى: فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً [البقرة: 184] قرئ بفتح التاء والطاء مخففة مع فتح العين على أنه فعل ماض "تطوّع"، وقرئ "يطّوّع" بياء مفتوحة وبعدها طاء مشددة مفتوحة مع جزم العين على أنه فعل مضارع مجزوم بمن
- قوله تعالى: قالَ رَبِّي يَعْلَمُ الْقَوْلَ فِي السَّماءِ وَالْأَرْضِ [الأنبياء: 4] قرئ "قال" على أنه فعل ماض، وقرئ "قل" على أنه فعل أمر.
الوجه الثالث: اختلاف وجوه الإعراب
ومن الأمثلة على ذلك:
قوله تعالى: وَلا تُسْأَلُ عَنْ أَصْحابِ الْجَحِيمِ [البقرة: 119] قرئ " تسأل" بضم التاء ورفع اللام على أن لا نافية، وقرئ " تَسأل" بفتح التاء وجزم اللام على أن لا ناهية.
الوجه الرابع: الاختلاف بالنقص والزيادة
ومن الأمثلة على ذلك:
قوله تعالى: وَسارِعُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ [آل عمران: 133] قرئ " وسارعوا" بإثبات الواو، وقرئ "سارعوا" بحذفها.
الوجه الخامس: الاختلاف بالتقديم والتأخير
ومن الأمثلة على ذلك:
قوله تعالى: فَالَّذِينَ هاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقاتَلُوا وَقُتِلُوا [آل عمران: 195] قرئ بتقديم " وقاتلوا " وتأخير " وقتلوا" وقرئ بتقديم " وقتلوا " وتأخير "وقاتلوا "
الوجه السادس: الاختلاف بالإبدال:
أي جعل حرف مكان حرف ومن الأمثلة على ذلك:
قوله تعالى: هُنالِكَ تَبْلُوا كُلُّ نَفْسٍ ما أَسْلَفَتْ [يونس: 30] قرئ "تبلو" بفتح التاء فباء ساكنة، وقرئ "تتلو" بتاءين الأولى مفتوحة والثانية ساكنة..
الوجه السابع: الاختلاف في اللهجات:
كالفتح والإمالة، والإظهار والإدغام، والتسهيل والتحقيق، والتفخيم والترقيق: فمن الناس من لا تستقيم ألسنتهم على الفتح فالإمالة تناسبهم ومنهم من لا تستقيم ألسنتهم على الإظهار فالإدغام يناسبهم. هكذا.
و دخل في هذا الباب : " بُيوت" قرات مرة بالضم و مرة قرئت بالكسر بِيوت، و " هزؤا" مرة قرئت بالهمز و مرة قرئت بالواو.
الحكمة في نزول القرآن على الأحرف السبعـــــــــــــة:
تتلخص الحكمة في إنزال القرآن بسبعة أحرف:
1- أن العرب الذين نزل عليهم القرآن كانت ألسنتهم مختلفة أي كل قبيلة من قبائل العرب كانت مختلفة عن الاخرى، فكان يتعذر على العرب أنذاك أن تغير لهجتها أو ينتقل من لهجة إلى لهجة بعدما شبوا على لهجة معينة.
لهذا اقتضت حكمة الله الرحمة و التيسير و التخفيف على الأمة الإسلامية فلو أخذت كلها بقراءة القرآن على حرف واحد لوقعت في حرج ولهذا السبب كان الرسول صلى الله عليه وسلم يقرئ كل قبيلة بحال لسانها، إن الرسول ( صلى الله عليه واله وسلم ) طلب الاستزادة في القراءة بقوله (عليه السلام ):( فرددت عليه ان هون على أمتي )
2- لأظهار معجزة و بلاغة الرسول الامي صلوات ربي عليه الذي لا يعرف سوى لهجة قريش و ينطق بهذه الاحرف السبعة و تلك اللهجات المتعددة.
صلة الاحرف السبعة بالقراءات القرانية
يتوهم بعض الناس أن القراءات السبعة - القراءات السبع من طريق الشاطبية وهم نافع المدني، ابن كثير المكي أبو عمر البصري، ابن عامر الشامي، عاصم الكوفي، ابن حمزة الكسائي الكوفي، حمزة الكوفي - هي نفسها الأحرف السبعة المذكورة في الحديث ( إن القرآن أنزل على سبعة أحرف). فيزعمون أن قراءة الإمام نافع حرف، قراءة الإمام ابن كثير حرف، وهكذا باقي القراءات، كل قراءة منها حرف من الأحرف السبعة، وهذا القول بعيد عن الصواب ومخالف للإجماع و ذلك لعدة أسباب:
- أن الائمة السبعة لم يكن لهم وجود في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم زمن نزول الرسالة.
- أن الأحرف السبعة: نزلت في أول الأمر للتيسير على الأمة ثم نسخ الكثير منها بالعرضة الأخيرة، مما حدا بالخليفة عثمان بن عفان إلى كتابة المصاحف التي بعث بها إلى الأمصار.
والصواب أن قراءات الأئمة السبعة بل العشرة التي يقرأ الناس بها اليوم هي جزء من الأحرف السبعة التي نزل بها القرآن و كل قراءة من القراءات لا تخلو من حرف من الاحرف السبعة.
وهذه القراءات العشر جميعها موافق لخط مصحف من المصاحف العثمانية، التي أرسلها الخليفة عثمان رضي الله عنه إلى الأمصار، بعد أن أجمع الصحابة عليها.
نشأة القراءات وتطورها
إن نشأة القراءات القرآنية كانت بتبليغ أمين الوحي جبريل عليه السلام أول كلمة قرآنية للنبي صلى الله عليه وسلم وهي كلمة "اقرأ" فلهذه الكلمة قراءتان متواترتان الأولى بتحقيق الهمزة والثانية بإبدالها ألفا. ثم تتابع نزول القرآن بعد ذلك بالأحرف السبعة
و مما يؤكد نزول القرآن الكريم على سبعة أحرف و على نشأتها ما نقله جمع كبير من الصحابة نقلا صحيحا عن الرسول صلى الله عليه و سلم ومنها:
عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أقرأني جبريل على حرف فراجعته فلم أزل أستزيده ويزيدني حتى انتهى إلى سبعة أحرف». متفق عليه
وروى البخاري ومسلم أيضا واللفظ للبخاري أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: سمعت هشام بن حكيم يقرأ سورة الفرقان في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم فاستمعت لقراءته، فإذا هو يقرأ على حروف كثيرة لم يقرئنيها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكدت أساوره في الصلاة، فتصبرت حتى سلم، فلببته بردائه فقلت: من أقرأك هذه السورة التي سمعتك تقرأ؟ قال: أقرأنيها رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقلت: كذبت فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقرأنيها على غير ما قرأت. فانطلقت به أقوده إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقلت: إني سمعت هذا يقرأ سورة الفرقان على حروف لم تقرئنيها. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أرسله. اقرأ يا هشام". فقرأ عليه القراءة التي سمعته يقرأ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كذلك أنزلت". ثم قال: "اقرأ يا عمر" فقرأت القراءة التي أقرأني. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " كذلك أنزلت. إن هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف فاقرءوا ما تيسر منه".
وروى مسلم بسنده عن أبي بن كعب قال: كنت في المسجد، فدخل رجل يصلي، فقرأ قراءة أنكرتها عليه، ثم دخل آخر فقرأ قراءة سوى قراءة صاحبه، فلما قضيا الصلاة دخلنا جميعاً على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقلت إن هذا قرأ قراءة أنكرتها عليه، ودخل آخر فقرأ قراءة سوى قراءة صاحبه، فأمرهما رسول الله عليه السلام فقرءا، فحسّن النبي عليه السلام شأنهما، فسُقِط في نفسي من التكذيب ولا إذ كنت في الجاهلية، فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قد غشيني ضرب في صدري ففِضت عرقاً، وكأنما أنظر إلى الله عز وجل فرقاً، فقال يا أبي: أرسل إلي أن اقرأ القرآن على حرف، فرددت إليه أن هون على أمتي، فرد إلي الثانية أن اقرأه على حرفين، فرددت إليه أن هون على أمتي، فرددت إليه أن هون على أمتي، فرد إلي الثالثة أن اقرأه على سبعة أحرف، ولك بكل ردة رددتكها مسأله تسألنيها، فقلت: اللهم اغفر لأمتي، اللهم اغفر لأمتي، وأخرت الثالثة، ليوم يرغب إلي الخلائق حتى إبراهيم
في هذا الحديث الاخير نرى كيف عالج الرسول صلى الله عليه وسلم الخاطر الشيطاني الذي أصاب أبي بن كعب رضي الله عنه
فقول أبي بن كعب رضي الله عنه" فسقط في نفسي من التكذيب الخ" أن الشيطان ألقى إليه من وساوس التكذيب ما شوش عليه حاله حين رأى النبي صلى الله عليه وسلم قد حسن القراءتين وصوبهما على ما بينهما من اختلاف. وكأن الذي مر بخاطره وقتئذ أن هذا الاختلاف في القراءة ينافي أنه من عند الله.و هذا لا يجوز عياذا بالله، ومن هذا تعلم أن ما خطر لسيدنا أبي بن كعب رضي الله عنه لا يمس مقامه ولا يصادم إيمانه ما دام قد دفعه بإرشاد رسول الله صلى الله عليه وسلم سريعا كما في الحديث الشريف.
حيث قام الرسول صلى الله عليه وسلم بضربه على صدره ليصرفه بشدة عن الاشتغال بهذا الخاطر وليلفته بقوة إلى ما قصه عليه علاجا لشبهته من أن القرآن أنزل على سبعة أحرف تهوينا على أمته وتيسيرا لها. و بهذا صرف الرسول صلى الله عليه وسلم ما ألم بأبي بن كعب حيث قال أبي نفسه: " ففضت عرقا وكأني أنظر إلى الله عز وجل فرقا".
رابط تفريغ المحاضرات الاربع في ملف وورد word
وفي الختام أحمد الله تعالى على ما كان من توفيق و استغفره تعالى لما كان من خطأ أو تقصير وأسأله أن يرزقنا الإخلاص وأن يتقبل منا العمل ويرزقنا حسن الانتفاع
و صل اللهم وسلم وبارك على سيد الخلق وعلى أصحابه وأزواجه وآل بيته أجمعين